فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في ود:
تقول: وَدِدْتُ لو تَفْعَل ذاكَ، ووَدَدْتُ لو أَنَّك تفعل ذاك، أَوَدُّ وَدًّا ووُدًّا.
وَوَدَادًا ووَدَادَةً بالفتح فيهما، أَى تمنَّيْت ومنه قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} أَى يتمنَّى، قال:
وَدِدْتُ ودادَةً لو أَنَّ حَظِّى ** من الخُلاَّنِ أَلاَّ يَصْرِمُونِى

وَدِدْتُ الرّجلَ أَوَدُّه وُدًّا ومَوَدَّة ومَوْدِدَةً، عن الفرّاءِ، بإِظهار التَّضْعِيف وقال: وَدَدْتُه أَوَدُّه مثال وَضعْتُه أَضَعُهُ لغة فيها، وأَنكرها البصريّون قال العجّاج:
إِنَّ بَنِىَّ لِلَّئام زَهَدَهْ ** لا يَجدُون لِصَدِيق مَوْدِدَهْ

وقوله تعالى: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أَى بالكُتُب.
وقولُه عزّ وجلّ {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} أَى وَدَّ المُنافٍِقون ما عَنِتَ المؤمنون في دِينِهم.
وقوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}، قال ابنُ عبّاسِ رضى الله عنهما: أَى مَحَبَّةً في قلوبِ الناس.
وقال عُثمان بنُ عفَّان رضى الله عنه: «ما أَحَدٌ من الناسِ يعملُ خيرًا أَو شَرًّا إِلاَّ وَدّ أَنَ الله يُرِى عَمَلَه»، يعنى أَنَّه يُظْهِر ذلك عليه فيجعله لِباسًا له فيُعرَف به. والوِدُّ بالكسر والوَدِيدُ واحدٌ والجمع أوُدّ، مِثالِ قِدْحٍ وأَقْدُح وذِئْبٍ وأَذْؤْبِ، وهنم أَوِدّاءُ. والوَدُودُ: المُحِبّ. ورجالٌ وُدَدَاءُ. والوَدُودُ في صفاتِ الله تعالى، قال ابن الأَنْبَارِىّ: هو المُحِبُّ لِعباده. ويستوى في الوَدُود المذكَّرُ والمؤنَّث لكَوْنه وَصْفًا داخلًا على وَصْف للمُبالغة. والتَوَدُّد: التَحَبُّبُ. والتَوادُّ: التَحابُّ، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} إِشارة إِلى ما أَوْقَع بيهم من الأُلْفَة المذكورة في قوله: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}. ومن المَوَدّة التي هي المحبَّة المجرَّدة قولُه تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
قال أَبو القاسم الراغب في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}: الوَدُودُ يتضمَّن ما دَخَل في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقد تقدّم معنى مَحبَّةِ الله تعالى لعباده ومَحَبَّةِ العِباد له في بصيرة الحُبّ.
وقال بعضُهم: محبَّة الله لِعباده هي مُراعاتُه لَهُم، رُوِىَ أَنَّ الله تعالى قال لِمُوَسى عليه السلام: «أَنا لا أَغْفَلُ عن الصَّغِير لِصِغَرِه، ولاعن الكَبِيرِ لِكِبَرِهِ، فأَنا الوَدُودُ الشَّكُور».
ويصحَّ أَن يكون، معنى {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا} معنى قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
ومن المَودَّة التي تقتضى معنى التمنى قوله تعالى: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}.
وقوله تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} نَهْىٌ عن مُولاة الكُفَّار ومُظاهَرَتِهم كقوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أَى بأَسْباب المَحبَّة من النَّصيحة ونحوها، وتقدّم عن بعضهم تفسيرُه بالكُتُبِ. والوُدّ بالضمّ وبالفتح: اسمُ صَنَم كان لقومِ نُوح عليه السلام، ثم صار لكَلْب، وكان بدُومَة الجَنْدل، ومنه سُمِّى عَبْدُ وُدٍّ.
وقرأَ أَبو جعفرٍ ونافعٌ {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا} بالضمّ، والباقون بالفتح. والوَدّ: الوَتِدُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)}.
يجعل في قلوبهم ودًا لله نتيجةً لأعمالهم الخالصة، وفي الخبر: «لا يزال العبد يتقربَ إليَّ بالنوافل حتى يحبني وأحبه». ويقال يجعل لهم الرحمن ودًا في قلوب عباده، وفي قلوب الملائكة، فأهل الخير والطاعة محبوبون مِنْ كلِّ أحد من غير استحقاق بفعل.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)}.
الكلام واحد والخطاب واحد، وهو لقوم تيسير، ولآخرين تخويف وتحذير فطوبى لِمَنْ يُسِّر لما وفِّق به، والويل لمن خُوِّف بل خُذِلَ فيه. والقومُ بين موفقٍ ومَخْذُولٍ.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}.
أثبتهم وأحياهم، وعلى ما شاء فطرهم وأبقاهم، ثم بعد ذلك- لما شاء- أماتهم وأفناهم، فبادوا بأجمعهم، وهلكوا عن آخرهم، فلا كبير منهم ولا صغير، ولا جليل ولا حقير، وسَيُطَالبونَ- يومَ النشور- بالنقير والقطمير. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل:
{ويقول} النفس الإنسانية لجهلها بالحقائق إذا مات عن الصفات البشرية {أخرج حيًا} بالصفات الروحانية. {ولنحشرهم والشياطين} فلكل شخص قرين من الشياطين {ثم لنحضرنهم حول جهنم} القهر والطبيعة {وإن منكم} من الأنبياء والأولياء والمؤمنين والكافرين إلا هو وارد هاوية الهوى بقدم الطبيعة {حتمًا مقضيًا} لأن حكمته الأزلية اقتضت خلق هذا النوع المركب من العلوي والسفلي {ثم ننجي الذين اتقوا} الهوى يقدم الشريعة على طريق الطريقة للوصول إلى الحقيقة {آياتنا} من الحقائق والأسرار {قال الذين كفروا} ستروا الحق {للذين آمنوا} تحقيقًا وإيقانًا {وكم أهلكنا} بحب الدنيا والإغراق في بحر الشهوات والإحراق بنار المناصب للعرضيات {أما العذاب} وهو الموت على الإنكار والغفلة {وإما الساعة} وهي الإماتة عن الصفات البشرية عند قيام قيامة الشوق والمحبة. {فسيعلمون} حزب الله من حزب الشيطان {ويزيد الله} بالترقي من الإيمان إلى الإيقان إلى العيان {أن دعوا للرحمن ولدًا} من فوائد ذكر اسم الرحمن هاهنا أن الرحمانية أمهلتهم حتى قالوا ما قالوا وإلا فالألوهية مقتضية لإعدامهم في الحال {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} عن مشيئة وإرادة بخلافهم في الدنيا فإنهم يظنون أن لهم إرادة واختيارًا. {فإنما يسرنا} فيه أنه لولا تيسير الله درايته على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فكيف يسع ظروف الحروف المحدثة المتناهية حقائق كلامه الأزلية غير المتناهية {وكم أهلكنا} في تيه الضلالة {أو تسمع لهم ركزًا} بالثناء الحسن عليهم والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {واذكر في الكتاب إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًّا} [مريم: 41] أمر للحبيب أن يذكر الخليل وما من الله تعالى به عليه من أحكام الخلة ليستشير المستعدين إلى التحلي بما أمكن لهم منها.
والصديق على ما قال ابن عطاء القائم مع ربه سبحانه على حد الصدق في جميع الأوقات لا يعارضه في صدقه معارض بحال، وقال أبو سعيد الخزاز: الصديق الآخذ بأتم الحظوظ من كل مقام سنى حتى يقرب من درجات الأنبياء عليهم السلام، وقال بعضهم: من تواترت أنوار المشاهدة واليقين عليه وأحاطت به أنوار العصمة.
وقال القاضي: هو الذي صعدت نفسه تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضة إلى أوج العرفان حتى اطلع على الأشياء وأخبر عنها على ما هي عليه، ومقام الصديقية قيل: تحت مقام النبوة ليس بينهما مقام.
وعن الشيخ الأكبر قدس سره إثبات مقام بينهما وذكر أنه حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
والمشهور بهذا الوصف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وليس ذلك مختصًا به، فقد أخرج أبو نعيم في المعرفة. وابن عساكر، وابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: {قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين}، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ الله} وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه وهو أفضلهم {إِذْ قَالَ لأبِيهِ يا أبت يا أبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئًا} [مريم: 42]».. إلخ. فيه من لطف الدعوة إلى اتباع الحق والإرشاد إليه ما لا يخفى.
وهذا مطلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاسيما إذا كان ذلك مع الأقارب ونحوهم قال: {سلام عليك} [مريم: 47] هذا سلام الأعراض عن الأغيار وتلطف الأبرار مع الجهال، قال أبو بكر بن طاهر: أنه لما بدا من آزر في خطابه عليه السلام ما لا يبدو إلا من جاهل جعل جوابه السلام لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَمًا} [الفرقان: 63] {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [مريم: 84] أي أهاجر عنكم بديني، ويفهم منه استحباب هجر الاشرار.
وعن أبي تراب النخشبي صحبة الإشرار تورث سوء الظن بالاخبار، وقد تضافرت الأدلة السمعية والتجربة على أن مصاحبتهم تورث القسوة وتثبط عن الخير {وادعوا رَبّى عَسَى أَن لا أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} [مريم: 48] فيه من الدلالة على مزيد أدبه عليه السلام مع ربه عز وجل ما فيه، ومقام الخلة يقتضي ذلك فإن من لا أدب له لا يصلح أن يتخذ خليلًا {فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} [مريم: 49] كأن ذلك كان عوضًا عمن اعتزل من أبيه وقومه لئلا يضيق صدره كما قيل: ولما اعتزل نبينا صلى الله عليه وسلم الكون أجمع ما زاغ البصر وما طغى عوض عليه الصلاة والسلام بأن قال له سبحانه: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10].
{واذكر} أيها الحبيب {في الكتاب موسى} الكليم {إنه كان مخلصًا} لله تعالى في سائر شؤونه، قال الترمذي: المخلص على الحقيقة من يكون مثل موسى عليه السلام ذهب إلى الخضر على السلام ليتأدب به فلم يسامحه في شيء ظهر له منه {وناديناه مِن جَانِبِ الطور الايمن وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] قالوا النداء بداية والنجوى نهاية، النداء مقام الشوق والنجوى مقام كشف السر {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هارون نَبِيًّا} [مريم: 53] قيل: علم الله تعالى ثقل الأسرار على موسى عليه السلام فاختار له هارون مستودعًا لها فهورون عليه السلام مستودع سر موسى عليه السلام، {واذكر في الكتاب إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} [مريم: 54] بالصبر على بذل نفسه أو بما وعد به استعداده من كمال التقوى لربه جل وعلا والتحلي بما يرضيه سبحانه من الأخلاق {واذكر في الكتاب إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًَّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56، 57] وهو نوع من القرب من الله تعالى به عليه عليه السلام. وقيل: السماء الرابعة والتفضل عليه بذلك لما فيه من كشف بعض أسرار الملكوت أولئك الذين أنعم الله عليهم بما لا يحيط نطاق الحصر به من النعم الجليلة {أُولَئِكَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين} مما كشف لهم من آياته تعالى، وقد ذكر أن القرآن أعظم مجلى لله عز وجل {وَبُكِيًّا} [مريم: 58] من مزيد فرحهم بما وجدوه أو من خوف عدم استمرار ما حصل لهم من التجلي:
ونبكي إن نأوا شوقًا إليهم ** ونبكي إن دنوا خوف الفراق

{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] قيل: الرزق هاهنا مشاهدة الحق سبحانه ورؤيته عز وجل وهذا لعموم أهل الجنة وأما المحبوبون والمشتاقون فلا تنقطع عنهم المشاهدة لمحة ولو حجبوا لماتوا من ألم الحجاب {رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] مثلا يلتفت إليه ويطلب منه شيء، وقال الحسين بن الفضل: هل يستحق أحد أن يسمى باسم من أسمائه تعالى على الحقيقة {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} [مريم: 71] وذلك لتظهر عظمة قهره جل جلاله وآثار سطوته لجميع خلقه عز وجل ثم ننجى الذين اتقوا جزاء تقواهم {ونذر الظالمين فيها جيثا} [مريم: 72] جزاء ظلمهم، وهذه الآية كم أجرت من عيون العيون العيون.
فعن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه أنه كان يبكي ويقول: قد علمت أني وارد النار ولا أدري كيف الصدر الصدر بعد الورود، وعن الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يقول الرجل لصاحبه: هل أتاك أنك وارد؟ فيقول: نعم فيقول: هل أتاك أنك خارج؟ فيقول لا فيقول: ففيم الضحك إذن؟ {قُلْ مَن كَانَ في الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} [مريم: 75] لما افتخروا بحظوظ الدنيا التي لا يفتخر بها إلا ذوو الهمم الدنية رد الله تعالى عليهم بأن ذلك استدراج ليس بإكرام والإشارة فيه أن كل ما يشغل عن الله تعالى والتوجه إليه عز وجل فهو شر لطاحبه {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} [مريم: 85] ركبانا على نجائب النور، وقال ابن عطاء: بلغني عن الصادق رضي الله عنه أنه قال: ركبانا على متون المعرفة {إِن كُلُّ مَن في السموات والأرض إِلا اتِى الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] فقيرًا ذليلًا منقادًا مسلوب الأنانية بالكلية {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} [مريم: 96] في القلوب المفطورة على حب الله تعالى وذلك أثر محبته سبحانه لهم، وفي الحديث: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به».. إلخ، ولا يشكل على هذا أنا نرى كثيرًا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ممقوتين لأن الذين يقتنونهم قد فطرت قلوبهم على الشر وإن لم يشعروا بذلك، ومن هنا يعلم أن بغض الصالحين علامة خبث الباطل {رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا الذين سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًا لّلَّذِينَ ءامَنُواْ} [الحشر: 10] وقيل: معنى {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} [مريم: 96] سيجعل لهم لذة وحلاوة في الطاعة، والأخبار تؤيد ما تقدم والله تعالى أعلم وله الحمد على اتمام تفسير سورة مريم ونسأله جل شأنه التوفيق لاتمام تفسير سائر سور كتابه المعظم بحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم. اهـ.